هل صحيح أن زمن غنة النون والميم المشددتين يساوي زمن المد الطبيعي؟

كثيرًا ما نسمعُ مِن بعضِ معلِّمي القرآنِ الكريمِ ومِن الطُّلاب على حدٍّ سواءٍ مَن يقول إنَّ زمنَ الغُنَّةِ في المرتبةِ الأولى يساوي مقدار حركتين، فيقولون: " إنَّ زمنَ غُنَّةِ النُّونِ في كلمةِ (النَّهار) يساوي زمنَ الألِفِ في كلمةِ (قَالُوا) "، وهذا غيرُ صحيحٍ للأسبابِ التي سنذكرُها في هذا المقال.

أكتوبر 7, 2024 - 22:21
أبريل 5, 2025 - 09:50
 0  395
هل صحيح أن زمن غنة النون والميم المشددتين يساوي زمن المد الطبيعي؟
النون والميم المشددتان

هل صحيحٌ أنَّ زمنَ غُنَّةِ النُّونِ المُشدَّدةِ يُساوي مقدارَ المدِّ الطَّبيعي؟

مِن المعلومِ أنَّ الغُنَّةَ صفةٌ ملازمةٌ لحرفي النُّون والميم، إلَّا أنَّ زمنَها يختلفُ بحسبِ وضع هذين الحرفينِ مِن حركةٍ أو سكونٍ أو إظهارٍ أو إدغامٍ أو إخفاء، وقد قسَّمَ العلماءُ أزمنةَ الغننِ إلى أربعِ مراتب:

1- أَكْمَلُ (أطولُ) ما تكون: في النُّونِ والميمِ المشدَّدتينِ والمدغَمتين.

2- كاملةٌ (طويلة): في النُّونِ والميم المخفاتين.

3- ناقصةٌ (قصيرة): في النُّونِ والميمِ السَّاكنتين والمظهَرتين.

4- أَنقصُ (أقصر) ما تكون: في النُّونِ والميمِ المتحرِّكتين.

وحديثُنا في هذا المقالِ سيتركز على زمنِ الغُنَّةِ في المرتبةِ الأولى، حيث كثيرًا ما نسمعُ مِن بعضِ معلِّمي القرآنِ الكريمِ ومِن الطُّلاب على حدٍّ سواءٍ مَن يقول إنَّ زمنَ الغُنَّةِ في المرتبةِ الأولى يساوي مقدار حركتين، فيقولون: " إنَّ زمنَ غُنَّةِ النُّونِ في كلمةِ (النَّعيم) يساوي زمنَ الألِفِ في كلمةِ (كانت) "، وهذا غيرُ صحيحٍ لأنَّ أزمنةَ الغُنَنِ لا تُقاسُ بالحركات، إنَّما يتمُّ ضبطُ أزمنتِها مِن خلالِ السَّماعِ والتَّدرُّبِ والقراءةِ والتَّلقِّي من الشُّيوخِ وتطبيقِ توجيهاتِهم وملاحظاتِهم، وهذا أمرٌ أساسيٌّ في ضبطِ الأداءِ القرآني، حيث يكون الشيخُ حاضرًا بشكلٍ دائمٍ لتصحيحِ أخطاءِ طلَّابِه، فتارةً نَجِدُهُ يطلبُ من تلميذِه زمنًا أطولَ للغُنَّةِ، وتارةً يَطلبُ منهُ أن يُقصِّرَ الزَّمنَ، وتارةً يُثنِي عليهِ إن أتى بالزَّمنِ المطلوبِ وهكذا، ومِن خلالِ التَّوجيهاتِ والملاحظاتِ والمتابعةِ الحثيثةِ مِن الشَّيخِ يكتسبُ التلميذُ هذه المهارةَ وتنضبطُ لديهِ أزمنةُ الغُنَنِ فيعرفُ – ومن خلالِ السَّماعِ فقط – كيف يعطِيها حقَّها فلا يزيدُ ولا يُنقِصُ مِن زمنِها، وطبعًا هذه الآليَّةُ لا تُستخدَمُ في ضبطِ أزمنةِ الغُنَنِ فحسب إنَّما تَنسحِبُ على تعلُّمِ جميعِ أحكامِ التَّجويدِ كمخارجِ وصفاتِ الحروفِ وأحكامِ المدودِ وأحكامِ الميمِ والنُّونِ وغيرِها، حيث يَعتمدُ ضبطُها وإتقانُها على التَّلقِّي والمشافهةِ والقراءةِ على الشُّيوخِ المتقنين.

لكنْ مِن أينَ جاءَ قياسُ الغُنَنِ بالحركات؟

كما هو معلوم فإن المدود تقاس بالحركات، فالمدُّ الطَّبيعيُّ مقدارُه حركتان، واللَّازمُ ست، والواجب 4 أو 5 ، والعارض 2 أو 4 أو 6، وهكذا.

أما بالنسبة لقياس الغنن بالحركات – وهو ما نناقشه في هذا المقال - فقد ظَهَرَ – والله أعلم – على يدِ بعضِ معلِّمي القُرآنِ الكريم، حيث أرادوا أن يعلِّموا طلَّابَهم وأن يُبَسِّطوا لهم مقدارَ الغُنَّةِ فصاروا يقولون إنَّ مقدارَ الغُنَّةِ في المرتبةِ الأولى يساوي مقدارَ حركتين وهذا غيرُ صحيحٍ كما أسلَفْنا.

وبالإضافةِ إلى ما سَبَقَ فإنَّنا في هذا المقالِ نقدِّم لكم هنا دليلًا عمليًّا على عَدَمِ صحَّةِ القَولِ بأنَّ زمنَ غُنَّةِ النونِ المُشدَّدة يساوي حركتَين (مثلَ زمنِ المَدّ الطبيعيِّ)، وذلك من خلال الِاستماعِ للتّسجيلاتِ الصَّوتية لأشهَر القُراءِ في العالَم الإسلاميِّ ومُلاحظةِ أدائِهم.

وقدِ اخترنَا لكُم آيةً قصيرةً تحتوي على نُونٍ مُشدَّدة وبَعدها مّدٌّ طبيعيٌّ. وهِي الآيةُ رقَم 9 من سُورة الحِجر وفيها قَولُ الله عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ ﴾ ، حيث يمكنكم الاستماعُ إلى التَّسجيلاتِ الصوتيَّةِ لهذه الآية والمقارنةُ بينها عبر قناةِ معلِّمِ التَّجويدِ في تلجرام من هنا :

https://t.me/TheTajweedTeacher/266

وبعد الاستماع ذلك ستلاحظونَ بوضوحٍ كيفَ أنّ القرَّاءَ يُعطُون النُّونَ المُشدَّدة في كلمةِ ( إِنَّا ) زمنًا أطوَلَ مِن زمنِ المَدِّ الطبيعيِّ للألفِ التي بَعدَها. وما اتَّفَقَ المشايخُ القُرَّاءُ على هذا الأداءِ إلّا لأنّهم تلقَّوْه من شُيُوخِهم وشُيُوخُهُم تَلَقَّوْه كذلك مِن شُيُوخِهم وهكذا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، فمصدَرُهم واحدٌ هو التَّلقِّي والمُشافَهةُ ولذلك نَرَى أداءَهم واحدًا.

فِي المحصّلةِ وبعد استماعِنا وتحلِيلِنا لأداءِ مشاهير القراء نجدُ أنَّ زمنَ الغُنَّةِ في النُّون والميمِ المُشدَّدتين والمُدغَمَتَين لا يساوي زَمَنَ المدِّ الطبيعيِّ ، وأنَّ تطبيقَ مقياسِ الحركاتِ على أزمنةِ الُغننِ لا يَصحُّ ، لأننا إذا أَعطَينا النُّون المُشدَّدة نفسَ المقدارِ من الزمنِ الذي يتطلبُه المَدُّ الطبيعيُّ فإننا بهذا نكونُ قد أنقصنا زمنَ الغُنَّةَ عن حَدِّه المطلوب. علمًا أننا اختَرنا الآية رقم 9 مِن سُورة الحِجْرِ لأنَّها آيةٌ قصيرةٌ وتحتوي المقارَنَة التي نحتاجُها، وبإمكانِكم أن تختاروا آياتٍ أُخرى وتقوموا بأنفُسِكم بذاتِ الُمقارَنة.

 

هذا واللهُ أعلمُ. ونسألُ اللهَ تعالى أن يرزُقَنا وإياكمُ الإخلاصَ والسَّدادَ في القولِ والعمل. اللهم آمين.

 

كتبهُ خادِمُ القُرآنِ الكريمِ: رَوَّاد بن أحمد بَدران.

 

وللتوسع في هذا الموضوع أكثر يمكنكم مشاهدة الحلْقة رقم ( 116 ) على قناة معلم التجويد على اليوتيوب وهي بعنوان : ( مراتب الغنن - أساليب خاطئة لقياس زمن الغنة منها حركات الأصابع) من هنا: